التخطيط الاستراتيجي القومي – بروف أبو صالح

“الراجل لمن يبكي معناها الموضوع عظيم”.. نعم بكى الرجل.. بكى بدموعه بعد أن خنقته العبرات.. و كدنا أن نبكي نحن أيضاً و نحن نستمع إلى ما دار بين ذلك الرجل و البروف أبو صالح عندما تلقى محاضرة عن التخطيط الاستراتيجي القومي.

مساء هذا اليوم الصيف-خريفي الجميل الثاني من مايو 2015. في انطلاقة الجزء الثالث -والأهم- من دورة تدريب المدربين في التخطيط الإستراتيجي القومي. لم نشعر بمرور الساعات الأربع و نحن في معية بروف محمد حسين ابوصالح. ذلك الرجل العلامة، الذي أقل ما يمكن أن يوصف به أنه مذهل. إليكم ملخص المحاضرة التي تدور حول التخطيط الاستراتيجي القومي و أهميته.

أهمية التخطيط الاستراتيجي القومي

طاف بنا البروف باسلوبه الشيق و الممتع في آن في سياحة على مفهوم التخطيط الإستراتيجي القومي. قام بتقديم العديد من الحجج و الشواهد التي تؤكد على أهمية ذلك العلم الذي يمكن وصفه بأنه من أهم العلوم -إن لم يكن أهمها.

التخطيط الاستراتيجي القومي يتيح الاستفادة من بقية العلوم و تسخيرها لتحقيق المصالح القومية التي يجب أن تسعى الدول للوصول إليها. في هذا السياق استعرض البروف دراسة قام بها مجموعة من الأكاديميين المختصين في التخطيط الإستراتيجي. عدد الباحثين في تلك الدراسة جاوز المئة -غير من يساعدونهم من الأساتذة المساعدين-.

الهدف من الدراسة كان تحديد الأسباب التي أدت إلى نجاح بعض الدول بعد الحرب العالمية. قام فريق الدراسة بحصر جميع الدراسات السابقة المتعلقة بهذا الشأن.  توافق على أكثر من 70 من الشروط التي يجب أن تنطبق في الدراسات السابقة حتي يتم قبولها و استصحابها في تحليلهم. بعد تحليلهم لما يفوق ال 5000 دراسة، توصلوا إلى أن هناك 13 سببا كانت وراء نجاح تلك الدول. من بين هذه الإسباب، سبب واحد فقط نال أكثر حوالي 84% من الأهمية وأما بقية الأسباب الأثنا عشر فأشتركوا في بقية النسبة. ذلك السبب كان هو تبني تلك الدول للتخطيط الاستراتيجي.

الفكرة الوطنية (الحلم الوطني)

استعرض البروف مشهداً آخراً يوضح أهمية ذلك العلم. تحدث عن أحد العلماء الأمريكان من أصلٍ سنغالي يسأل عالماً أمريكياً آخر، لكن هذا الآخر لم يكن عالماً فحسب، بل كان أحد جهابذة علم التخطيط الإستراتيجي في العالم والأول في أمريكا.

الأول سأل عن سر تفوق أمريكا على العالم في وقت وجيز. فجاءت إجابة العالم بعد حوار مع ذلك الأفريقي الأصل عن أهمية الأفكار التي يتبناها الفرد لما يريد أن يعمل، ينجز أو يصبح. في يومه، أسبوعه، شهره، عامه أو الأعوام القادمة.

بعد ذلك أوضح له ذلك العالم أنه كما للأفراد أفكار لما يريدون أن يكونوا عليه، إيضاً الدولة لابد لها من فكرة لما يجب أن تكون عليه. و هذا ما بدأوا به في أمريكا. بدأوا ب “فكرة للوطن” هذه الفكرة هي أساس التخطيط الإستراتيجي القومي. هذه الفكرة أو “الرؤيا” أو “الحلم الوطني” يجب أن يجمع عليها و يتبناها الجميع بلا إستثناء حتي يؤتي التخطيط الإستراتيجي أكله.

من أين تبدأ الفكرة الوطنية

أوضح أن الفكرة الوطنية تبدأ بأن نحدد ما هي مصالحنا كدولة. هذه المصالح لابد من أن يكون محورها هو الفرد في الدولة ثم الجماعات. ثم يلي ذلك تحديد كيف يتم تحقيق هذه المصالح.

الفكرة الوطنية أو “وثيقة المصالح الوطنية” يجب أن تعتبر من أسمى مرجعيات الدولة. يجب أن يقوم بوضعها العلماء و المختصون بصورة شاملة. ثم يدلوا بها إلى السياسيين حكاماً كانوا أم معارضين ليتوافقوا حولها و ذلك لضمان تبني الجميع لها.

تحدث البروف عن الجهاز المركزي للتخطيط الإستراتيجي. الجهاز الذي يعتبر أهم الأجهزة في أمريكا شأنها شأن بقية الدول العظمى في تكوين مثل هذا الجهاز و العناية الفائقة به كبداية لانطلاقهم. ذلك المركز يعمل به أكثر من 4000 خبير إستراتيجي في المجالات و التخصصات المختلفة. كل ذلك كان للتدليل على عظم شان هذه المهمة. هذه المصالح بالرغم من أن من يقوم بوضعها و صياغتها هم الخبراء و المختصون، إلا أنها يجب أن تعبر فعلاً عما يريده المواطنون في الدولة. لذلك مثل هذه الأجهزة تستخدم من الوسائل و الأدوات ما يضمن ذلك مثل المسوحات الميدانية و إستطلاعات الرأي و غيرهما.

أهمية التخطيط الاستراتيجي

تحدث البروف بعد ذلك عن أهمية التخطيط الإستراتيجي وكيف أنه يمكن الدولة من أن:

تصبح في موضع الريادة و يمكنها من أن تطوع الحاضر و تشكل المستقبل كما تنشد. أيضاً يرتقي بالهم الوطني من سفاسف الأمور إلى عظامها.

يمنع التناقض في النشاط و يوحد الجهود في هذا البند أشار إلى العديد من المشاريع يتم تنفيذها و يصرف فيها من الأموال و يبذل فيها من الجهود الشيء الكثير بالرغم من أنها غير ذات جدوى إستراتيجية. ضرب مثالاً بأنه في دولةٍ ما كان ما أنفق في تجهيز و صيانة مجاري الصرف الصحي خلال عشرين عاماً كان يكفي لأن تملك تلك الدولة نظاماً للصرف الصحي يضاهي تلك المعمول بها في بعض من أفضل الدول الأوروبية.

إدارة الصراع الاستراتيجي

تحدث بعد ذلك عن إدارة الصراع الإستراتيجي وهو أحد علوم الإستراتيجية. ذلك العلم يسمى أحياناً بإدارة التنافس الدولي و ذلك عندما تكون الوسائل المستخدمة “ناعمة” كالحوار و التفاوض و الدبلوماسية و غيرها. أما عندما تكون الوسائل “خشنة” كالحروب فيسمى صراعاً.

دلل على أهمية موضوع الصراع الإستراتيجي بأن أكثر من 40% من الساعات في المناهج الدراسية التي يدرسها طلاب الماجستير في التخطيط الإستراتيجي تكون حول هذا الموضوع، ذلك في الدول العظمي. أما في الدول المتوسطة فيكون التركيز عليه حوالي 28% ، أما في الدول العربية فيكون أقل من 1%.

الصراع لكي يوصف بأنه إستراتيجي لابد أن يتصف بصفتين. الصفة الأولي هي البعد الدولي، و هو أن يكون النشاط الذي يتم عمله يكون بغرض الإعداد لمسائل قد ترد إلى الدولة من دول أخرى أو أن يكون إبتداءاً موجهاً للدول الأخري. الصفة الثانية هي حجم و ضخامة النشاط أو العمل.

عناصر التخطيط الاستراتيجي القومي

تحدث عن أن للتخطيط الإستراتيجي القومي ست مدراس رئيسية تفرعت منها 60 مدرسة. جميع تلك المدارس تتفق على ما يسمى “القوة الإستراتيجية الشاملة”. هذه القوة تتكون من سبعة عناصر شبهها البروف بأجزاء جسم الإنسان-تعمل جميعها في تناغمٍ تام. لكل جهاز مهامه و إدواره المهمة، و الخلل في أي منها يوثرعلى الأجهزة الأخرى. هذه العناصر هي:

  • القوة الاجتماعية الثقافية: تشمل المصلحة الأعظم و هي العقيدة، و الإنسان تنميته و تعليمه و تدريبه، ثقافة المجتمع ،…
  • القوة الاقتصادية: الموارد و الأمول “منظم ضربات القلب” كما أسماها البروف ^_^
  • القوة العلمية: البحوث العملية
  • القوة التقنية: تحويل العلوم إلى تقنيات يستفاد منها
  • القوة السياسية
  • القوة العسكرية: حماية المكتسبات
  • القوة الإعلامية

نموذج لشمول الاستراتيجية

حكى لنا تجربته عندما كان في إحدى اللجان التحكيمية لمسابقة مشاريع تسهم في نهضة الدول. إجمع أفراد اللجنة لترشيح أربعة من المتسابقين، إثنان منهم ركزا على جوانب إقتصادية  و الآخران على جوانب إجتماعية جميعها مستقاة من تجربة بنك الفقراء في بنغلاديش.

البروف كان يرى أن هناك مرشحاً أخر يجب أن يكون ضمن المرشحين. ذلك لأن الأخير قدم مشروعاً شمل -إضافةً للجوانب الإقتصادية و الإجتماعية – جوانب أخرى عديدة.

كان من حجج البروف لترشيح لأطروحة ذلك الشخص، أن الأثر الاستراتيجي الذي تركته تجربة بنك الفقراء -سواءً في بنغلاديش أو في البلدان الأخرى التي حذت حذوها- لا يضاهي النقلة التي أحدثتها كوريا الجنوبية.

كوريا التي كانت في الحضيض، شعبها كان يعاني من غياب الوعي كأثر لحرب الأفيون. كذلك كانت تعاني من عدم الإستقرار نتيجة للإنقلابات العسكرية الكثيرة. بالرغم من كل هذا استطاعت بعد أن عملت على عناصر القوة الإستراتيجية المختلفة، أن تصبح في مصاف الدول العظمى في العالم. و مشروع ذلك الشباب كان يعمل في عدة جوانب و ليس جانباً إقتصادياً او إجتماعياً فقط كما هو الحال في المشاريع الأربعة الأخرى.

تعريف الاستراتيجية

بعد ذلك دلف البروف إلى تعريف الإستراتيجية. أوضخ أن اصلها يوناني و هو “Strategos” و تعني  فن الحروب و إدارة المعارك. برر على ربط كلمة الإستراتيجية بالمعارك و العسكرية لإنه قديماً كانت الجيوش وقادتها هم أكثر من يحتاجون للتركيز على -و التفكير في- العديد من الجوانب حتى يتمكنوا من تأدية المهام و الأدوار الموكلة إليم. فعلى سبيل المثال طبيعة العدو و طبيعة أرض المعركة و الطريق إليها و ومافيه من عوائق طبيعية و كيف سيتم التعامل معها، و المؤونة اللازمة و كيف سيتم توفيرها و غيرها من العوامل.

البروف عرض عقب ذلك عدد من التعريفات للتخطيط الإستراتيجي القومي. من تلك التعريفات أنه فن و علم تشكيل المستقبل وفق الإرادة الوطنية. و عرفه أيضاً بأنه أطروحات، وسائل و أفكار متناسقة و متكاملة تحدد -مع التركيز على هذا التحديد- و تحقق المصالح القومية.

التحديد السليم للمصالح القومية في غاية من الأهمية. لأنه من العوامل التي يرتكز عليها هذا العلم لضمان تحقيق تلك المصالح -حتي و إن إختلفت الحكومات. فالجميع سيعمل متجهاً نحو تلك الغايات المجمع عليها-.

تعريف التخطيط الاستراتيجي القومي

عرف التخطيط الإستراتيجي القومي بأنه عملية تنتج منها الإستراتيجية القومية الشاملة للدولة. هذه الإستراتيجية الشاملة تفضي إلى تنمية في جميع نواحي الحياة، الروحية، المادية، الإجتماعية، الإقتصادية وغيرها.

العملية المشار إليها -التخطيط الإستراتيجي القومي يشمل، بل يبدأ بالتحليل الإستراتيجي الذي يستغرق بضع سنوات. فعلى سبيل المثال، المانيا استغرقت ثلاث سنوات و نصف بالرغم من أن البعض يرى أنه لا يجب أن يقاس بألمانيا نظراً لتقدمها و تفوقها في هذا المجال. أمريكا إستغرق تحليلها الإستراتيجي أربعة سنوات.

العملية تشمل أيضاً اختيار و تحديد التوجه القومي ثم الغايات الوطنية و من ثم تحديد البدائل. كل هذا يجب أن يكون مصحوباً بتناسق و تكامل الجهود. إضافةً إلى الترابط و التناسق أيضاً بين المراحل المختلفة للأهداف الإستراتيجية. كل  ماسبق لا ينحصر فقط على النطاق المحلي للدولة، بل يجاوز ذلك إلى الإقليمي و الدولي.

الموارد الأساسية للتخطيط الإستراتيجي القومي

تحدث البروف عن الموارد الأساسية التي يجب اعتبارها في التخطيط الإستراتيجي القومي و هي:

  • المورد البشري: و هو متعلق بالأفراد، تعليمهم و معرفتهم، تدرينهم و مهاراتهم و سلوكياتهم، دوافعهم و توجهاتهم…
  • المورد المعرفي: و يقصد به ما تنتجه الدولة من أبحاث علمية.
  • المورد الطبيعي: و هي الموارد التقليدية مثل النفط، المعادن، الأراضي الصالحة للزراعة، المياه …
  • المورد الزمني: و يقصد به مدى استغلال الزمن بصورة مثلى، و يظهر ذلك في المعاملات و أساليب الإدارة و الإنتاج و سلوكيات الأفراد و تعاطيهم مع الوقت.

و أشار إلى أن الموردين الأوَّلين لهما الأهمية الأكبر لنجاح الدول، 61% و 19% على التوالي.

بعض نماذج التخطيط الاستراتيجي القومي

دلف البروف إلى عرض بعض التصنيفات و النماذج المستخدمة في التخطيط الإستراتيجي و منها النموذج الظاهر في الشكل أدناه

التخطيط الاستراتيجي القومي

من النموذج يتضح أن الحلم الوطني يتكون من أهداف إستراتيجية عددها سبعة أهداف. كل هدف يختص بواحد من عناصر القوة الشاملة السبعة المشار إليها سابقاً -وهي الإجتماعية،الإعلامية، العسكرية، السياسية، الإقتصادية، العلمية و التقنية.

هذه العناصر تختصر في كلمة :SIMPEST و هي إختصار من الإسماء هذه العناصر باللغة الإنجليزية- هذه الأهداف عمرها يكون بعمر الإستراتيجية الموضوعة و قد يزيد قليلاً في بعض الأحيان وفق مقتضى الحال.

كل هدف إستراتيجي يتم تقسيمه إلى أهداف مرحلية، التي بدورها يتم تقسيمها إلى أهداف سنوية و برامج. هذه الأخيرة تشمل عدد من الأنشطة التي يكون مداها الزمني في حدود الأشهر.أخيراً، الأنشطة تتكون من مهام و التي يكون مداها الزمني عادة بالساعات أو الأيام.

التفكير الاستراتيجي

بعد ذلك تحدث البروف عن التفكير الإستراتيجي. فأوضح أنه ليس مرحلة معينة يمر عليها، بل هو عملية مستمرة تبدأ من التحليل الإستراتيجي مروراً بتحديد البدائل و وضع الخطط و إنتهاءاً بتقييم الإستراتيجية. ثم وصفه بأنه تفكير عميق ياتي بنواتج (أفكار) غير تقليدية و إشار بوضوح إلى ضرورة تحرير العقل و التفكير بصورة إبداعية.

الفرق بين التفكير و التفكير الاستراتيجي

تحدث البروف عن الفرق بين التفكير و التفكير الإستراتيجي. أوضح أن الأول يدرُس و يحلل بيانات الماضي و الحاضر -باستخدام السلاسل الزمنية- ليتنبأ أو يتوقع ما سيحدث مستقبلاً و على ذلك ترسم الخطط و تتخذ القرارات.

التخطيط على النحو السابق يعتبر مجاراةً للواقع -أو يمكن القول بأنه إستسلام للواقع- في المقابل فالتخطيط الإستراتيجي يتحدى الواقع و يشكل المستقبل المنشود.

أمثلة واقعية على التخطيط الاستراتيجي

مصيدة القمح

ضرب مثالاً للتخطيط الإستراتيجي ما قامت به أمريكا في منتصف القرن الماضي -في العام 1949- إذ قامت بعمل تحليل فوجدت أن زراعة 400 مليون فدان من القمح من شأنها أن توفر لدولتهم العديد من المزايا، اجتماعية، اقتصادية، و عسكرية وغيرها .

في وقتها، بدأوا بتحديد المستهلكين المحتملين لإنتاجهم الضخم الذي يخططون له. وكان ذلك  باستخدام اسلوب التخطيط -المجرد و ليس الإستراتجي.

بعد جمعهم للبيانات التاريخية عن إستهلاك القمح في عدد من الدول، وجدوا أن السوق بحاجة إلى 1% فقط من حجم إنتاجهم المستهدف -فقط 4 ملاين فدان-.

عندها خلعوا قبعة التخطيط و ارتدوا قبعة التخطيط الإستراتيجي و لم ينصاعوا لما يمليه الماضي و الحاضر و قرروا أن يغيروا الحاضر و المستقبل معاً.

قاموا بوضع خطة إستراتيجية ترمي إلى تغيير النمط الإستهلاكي الغذائي لعدد من الشعوب ليتجهوا لاستهلاك القمح. بذلك يكونوا قد خلقوا أسواقاً لإنتاجهم.

إستراتيجيتهم كان عمرها إبتداءاً 32 عاماً، إضطروا لتمديدها 8 أعوام إضافية. قبل نهاية الإستراتيجة بعام واحد -بعد 39 عام- و بينما كنا -في السودان- نعاني ما نعاني من فيضانات العام 1988، إحتفلوا هم بتحقيق الهدف الذي وضعوه و هو زراعة 400 مليون فدان من القمح.

لتحقيق تلك الإستراتيجية إستعانوا بكل يجب الإستعانة به حتى تنجح. من بين ذلك كان أن قدموا القمح كمعونات للدول الفقيرة و المنكوبة.

تلك المعونات ما كانت إلا طعماً لتبدأ تلك الشعوب المستهدفة التعود على إستخدام القمح و من ثم التحول للإعتماد عليه. و من ثم قاموا ببيعه بأثمان بخسة حتى يواصلوا في إستدراج المستهدفين. و من جانب آخر، سخَّروا علومهم و تقنياتهم لتخدم تلك الإستراتيجية، فكانوا يصنعون و يوفرون الطواحين التي تطحن قمحهم فقط و ليس ما سواه، حتى وقعت تلك الشعوب فيما يعرف بـ”مصيدة القمح” و حققت إمريكا هدفها الإستراتيجي.

ماذا فعل الأمريكان؟

خلعوا قبعة التخطيط و ارتدوا قبعة التخطيط الاستراتيجي و لم ينصاعوا لما يمليه الماضي و الحاضر و قرروا أن يغيروا الحاضر و المستقبل معاً

تفوق اليابان على أمريكا

تحدث عن تفوق الصناعة اليابانية. و تمكنهم من منافسة قطاع السيارات في أمريكا. بالرغم من أن الأخير لديه العديد من المزايا مثل توفر المواد الخام و عدم الحاجة لترحيلها أو لترحيل المنتجات. إضافة إلى التسهيلات في الجمارك و غيرها.

بالرغم من كل هذا كانت السيارات اليابانية التي لاتمتاز بأي من المزايا سالفة الذكر- كانت تباع في أمريكا بأسعار أقل من السيارات الأمريكية. الأمر الذي أثر على قطاع صناعة السيارات في أمريكا مثل تقليص اكثر من نصف مليون عامل من كبريات الشركات. و كيف أنه حتى عندما حاول الامريكيون انتاج سيارة بمواصفات و تصميمات يابانية خالصة، عندما قاموا بذلك و بالرغم من إستفادتهم من كل المزايا -كالحصول على الخام بأسعار أقل- كانت سيارتهم المنتجة أغلى سعراً من تلك المنتجة في اليابان.

بعد أن فاق الأمريكيون من تلك الصدمة و أجروا العديد من الدراسات و التحليل، علموا أن السر يكمن في “التخطيط الإستراتيجي الفائق” الذي يتبناه اليابانيون، و أنه ليس لديهم حل سوى التعاون الدولي معهم.

و قد كان، بدأ الأمريكيون بالتعاون مع اليابانيين و ظهر ذلك في أن اليابان بدأت في إنشاء المصانع في أمريكا. ذلك الأمر يعتبر من مصالح اليابان أيضاً، فعلى سبيل المثال، هي لا ترغب أن تنتشر العطالة في أمريكا الأمر الذي قد يأثر على مبيعاتها-. 

مرتكزات و خصائص التخطيط الاستراتيجي القومي

  • يدور حول أمن الأنسان و ليس المنفعة أو الكسب الاقتصادي المجرد.
  • يستصحب الأجيال القادمة و ما يؤثر عليهم.
  • يراعي للبيئة
  • يطور و ينمي الموارد و لا يستهلكها فحسب.
  • تكون أهدافه طموحة و ليست تقليدية.
  • يتعدي حاجز المحلية ليصل إلى المستوى الدولي.

مستويات و مراحل التخطيط الاستراتيجي القومي

عرض البروف نموذج لمستويات التخطيط الإستراتيجي القومي و هي ثلاث مستويات كما في الشكل أدناه.

مراحل التخطيط الاستراتيجي القومي
مراحل التخطيط الاستراتيجي القومي

مراحل التخطيط الاستراتيجي القومي

المستوى الأدنى -مستوى التأسيس- هو عندما تكون الدولة تسعى فقط لتحقيق الحد الأدنى من المصالح -في العناصر السبعة- حتي تخرج مما تعانيه من مشاكل و ضعف.

توضع الإستراتيجيات و بعد إنقضاء عمر الإستراتيجية يتم قياس العديد من المعايير التي عندما تتخطاها الدولة تكون قد عبرت إلى المرحلة التالية و هي المرحلة الوسيطة. فيها تلك المرحلة ترتقي مصالح الدولة و طموحاتها للبحث عن الرفاهية و العيش الكريم. و بنهايتها تنتقل الدولة إلى مرحلة المبادرة و الريادة.

مسؤول يزرف الدموع

هنا استعرض البروف ما حصل عندما عُرض لأول مرة احتفال الصين بيومها القومي في الإعلام. و كيف إن الرئيس الصيني الذي كان يقف في المنصة و بجواره مباشرة رئيس الجهاز المركزي للتخطيط. في إشارة صريحة للأهمية التاريخية لذلك اليوم و للتركيز على دور التخطيط الإستراتيجي. ذلك الرئيس الصيني -و برغم ما يعرف عنهم بإنهم يتصفون بجمود المشاعر- سالت منه الدموع باكياً عندما مرَّ من أمامهم الصاروخ صيني الصنع ذو الرأس النووي. الصاروخ الذي يمكن أن يقطع أكثر من أحد عشر ألفاً من الكيلومترات. – بالمناسبة هذا ليس الرجل الذي أخبرتكم أنه بكى في مطلع المقال، هذا شخص آخر، أما الأول فسأخبركم عنه بعد قليل.

في مساء ذلك اليوم، تم تعين رئيس جديد للجهاز المركزي للتخطيط الإستراتيجي الصيني خلفاً لرئسه السابق -الذي جاور الرئيس في العرض- الذي أدى دوره في قيادة ذلك الجهاز و ضمن عبور الصين في ذلك اليوم إلى مرحلة المبادرة.

التغيير المطلوب لنجاح التخطيط الاستراتيجي القومي

استعرض البروف التغيير المطلوب لنجاح التخطيط الإستراتيجي و هو في عدة مجالات و هي:

  • تغيير مؤسسي: الذي قد يصل إلى دعم المؤسسات و المنظمات و -الشركات حتى الخاصة منها- حتى تقوم بما يليها.
  • تغيير هندسي فني: في التقنيات
  • تغيير سياسي: قد يكون داخلياً أو خارجياً بعمل التحالفات و التكتلات (الإتحاد الأوربي و دول البريكس مثالاً)
  • تغيير إداري: تطوير الأنظمة الإدارية (الحكومة الذكية مثالاً)
  • تغيير نطاق العمل: من المحلية إلى الدولية. ثم التجديد و التميز في العمل.
  • تغيير ثقافي: في السلوك الوطني و السلوك المهني للأفراد و الجماعات.

أخيراً، لماذا بكى الرجل المشار إليه في بداية المقال؟

عد أن انتهاء محاضرة مشابهة لهذه المحاضرة، انفرد ذلك الرجل القوي الشكيمة بالبروف و قال أنه يريد أن يحادثه على انفراد. حدثه ذلك الرجل عن عظم أثر ما سمع و عرف في تلك المحاضرة. أثناء حديثه، بدأت العبرات تخنقه و قال: “لو كنتا عرفتا الكلام ده من بدري -يعني التخطيط الإستراتيجي القومي و المصالح القومية- ما كان عملتا العملتو”.. و انفجر باكياً!.

بعد جهد إستطاع البروف أن يعرف سبب البكاء، فصاحبنا كان ممن يحملون السلاح ضد الحكومة، وكان قد إستحضر التفجير الضخم الذي قام به -مع من يقودهم منذ عدة سنوات. ذلك الرجل و من معه كانوا قد إستهدفوا أحد المطارات و فجروا فيه عدد من الطائرات العسكرية و المدنية.

الرجل أخبر البروف أنه الأن فقط قد عرف أن تلك الطائرات لم تكن تخص رئيس الحكومة الذي نعارضه ولا رؤساء الأحزاب الموالية. بل تلك الطائرات هي ملك الشعب و المواطنين كافة و أن ما كان يقوم به و رفاقه يهدم الدولة و ليس الحكومة. ومن حينها ترك السلاح و إنخرط في صفوف بناء الوطن.

*****

كل الشكر للبروف محمد حسين ابوصالح،، و الشكر أجزله لشباب الوعي الإستراتيجي -المنظمون للدورة-

إلى أن ألقاكم في محاضرة أخرى،،،

أترككم في أمان الله و حفظه

خالص التحايا

مقال عن أهمية التخطيط على المستوى الشخصي

إقرأ أيضاً