اكتساب المهارات من الأشياء التي دائما ما أسعى إليها لأنني أؤمن أن ذلك الأمر يسهم بشكل كبير في تقوية الشخصية وفي تعزيز الثقة بالنفس. من بين المهارات التي طالما كنت أحلم باكتسابها وتعلمها كانت الكتابة باليد اليسرى. في هذا المقال اسرد لكم تجربتي مع تعلم الكتابة باليد اليسرى. و أطلعكم على الفائدة التي يمكن أن يجنيها الشخص من تلك التجربة.

اكتساب المهارات

حماس

الواحد منا عندما يسمع أن المقدرات الكامنة للبشر كبيرة جدًا و أن الشخص يمكنه تعلُّم و اكتساب مهارات جديدة، يتحمس لذلك الأمر ويشعر أن باستطاعته تعلم و فعل الكثير!

يبدأ بتذكر الأشياء التي كان كثيراً ما يفكر فيها و يتمنى أن يتعلمها أو يكتسبها، و يبدأ في تجهيز شعوره لكي يبدأ تعلم المهارات التي طالما كان يحلم بها.

صدمة

لسوء الحظ، في نفس اليوم، يمر الشخص بالقرب من التلفاز، فإذا به يرى ليونيل ميسي يلعب في مباراة في نهائي دوري الأبطال!

بينما كل العالم يشاهد ميسي، وفي الدقيقة الثالثة من الوقت بدل الضائع، يحصل ميسي على الكرة في منتصف الملعب، فيحاور و يراوغ كل لاعبي الخصم بمهارة تفوق الخيال!

و بسرعة مذهلة، يصل إلى مرمى الخصم و بلمسة سحرية و في كسر من الثانية، يركل الكرة بطريقة تجعل حارس المرمى يسقط في اتجاه، و الكرة تدخل المرمى في الاتجاه الآخر تماماً.

بعد ذلك الهدف مباشرة، تنطلق صافرة الحكم معلنة فوز فريق ميسي، فيضج الملعب بهدير فرح الجماهير، و حتى من يشاهدون المباراة في منازلهم، تجدهم يقفزون و يصرخون فرحاً.

يا الله! مستوى البعيد من المهارة، و قدر الخرافي من التحكم في النفس وقدرة المذهلة على التركيز بالرغم من الضغوط الجبارة بسبب المجهود البدني و الذهني الجبار، و بسبب حجم التوقعات الآمال الكبيرة التي يضعها الجمهور.

خيبة أمل

الشخص عندما يرى تلك المقدرة الخرافية من أولئك اللاعبين المحترفين أو من غيرهم من المؤدين أو المهنيين في المجالات المختلفة، بلا شك سيشعر باليأس و يستغفر ويطرد أي فكرة كانت قد خطرت في باله عندما امتلأ حماسا لتعلُّم أو اكتساب أي مهارة.

و تعود حليمة لعادتها القديمة، ويقول الشخص لنفسه، “أصلاً أنا لا أستطيع تعلم مهارة جديدة. تلك المهارة لها أشخاص محددين وهبهم الله بعض الصفات لذلك يستطيعون تعلمها، وأنا لست منهم!”

بصيص أمل

لحسن الحظ، يمكن يخرج الشخص من هذا المأزق ويستعيد ثقته بنفسه و يؤمن أن باستطاعته تعلُّم أو اكتساب المهارة التي كان يفكِّر فيها. اتضح أن تعلُّم و اكتساب المهارات -شأنها كشأن أي شيء في هذا العالم- لديه أساليب و خطوات و مناهج محددة. إذا قام الشخص باتباعها، سيحصل على نتائج كبيرة.

منهج لاكتساب المهارات

من المهتمين بموضوع اكتساب المهارات، شخص يدعى جوش كاوفمان. كاوفمان قرر أن يجعل شغله الشاغل أن يصبح شخصاً متعلِّماً و أن يساعد الآخرين في تعلُّم و اكتساب المهارات المختلفة.

في ذلك الكتاب يشرح كاوفمان كيف يمكن للشخص أن يتعلم الأشياء و يكتسب المهارات التي يريدها في وقتٍ وجيزٍ للغاية. تحديداً في عشرين ساعة من الوقت فقط!.

حكى كاوفمان في الكتاب بعض تجاربه الشخصية في تعلم بعض المهارات. مثل: تعلُّم برمجة الحاسوب، رياضة ركوب الأمواج. كذلك تعلم لعبة GO (لعبة لوح استراتيجية)، ممارسة اليوغا، الطباعة على الحاسوب، و العزف على آلة الأكلال (آلة موسيقية وترية).

خطوات اكتساب مهارة جديدة

من التجارب المختلفة التى قام بها كاوفمان، وضع هذا الأخير أربع خطوت لتعلُّم أو اكتساب أي مهارة وهي كالتالي

تفكيك الموضوع إلى أجزاء

أولى الخطوات هي أن يحدد الشخص ما هي المهارات الفرعية التي يجب أن يتعلمها لكي يجيد الموضوع المحدد.

على سبيل المثال في موضوع تعلُّم الكتابة، المهارات الفرعية المهمة يمكن أن تكون:

• (1) المسك الصحيح للقلم،
• (2) الجلوس الصحيح و وضع اليد بزاوية مناسبة، يلي ذلك
• (3) الطريقة الصحيحة لرسم الأحرف في مواضعها المختلفة وهكذا.

بعد أن يقوم الشخص بتفكيك الموضوع الرئيسي إلى أجزاء (مهارات فرعية أصغر)، عليه أن يقوم بترتيب تلك الأجزاء بحسب أهميتها. بعد ذلك يحدد ما يريد أن يتعلمه منها.

‏تحديد مصادر للتعلم

الخطوة التالية هي أن يقوم الشخص بتحديد من 3 إلى 5 مصادر لكي يتعلَّم منها الحد الأدنى من أساسيات الموضوع الذي هو بصدده. هذه المصادر يقوم بالرجوع إليها لكي يعرف و يتعلَّم منها القدر الذي يمكنه من تقييم و تقويم نفسه بنفسه. بهذا يستطيع أن يعرف أثناء تقدمه ما إذا كان يسير في الطريق الصحيح أم لا.

المصادر يمكن أن تكون كتباً أو قنوات أو فيديوهات على اليوتيوب، أو حتى أشخاص أخرين.

إزالة العقبات

على الشخص أن يقلل أو يزيل العقبات التي يمكن أن تمنعه أو على الأقل تشغله عن ممارسة ما هو بصدده.

تلك العقبات يمكن أن تشمل أي شيء يسبب الازعاج كالتلفاز أو الهاتف المحمول، أو حتى الخروج مع الأصدقاء، لذلك من الأفضل أن يستقطع الشخص وقتاً محدداً ليتمرَّن على المهارة الجديدة التي يريد تعلمها.

العقبات ليس بالضرورة أن تكون أشياء حسية أو معرفية فقط، بل هنالك عقبات أهم و أصعب وهي العقبات المعنوية.

من أمثلة تلك العقبات، فقدان الثقة بالنفس، أو قلة العزيمة. لذلك، من الهام جداً، أن يخوض الشخص عملية التعلُّم و اكتساب المهارة هذه بعقلية نمو (المزيد عن عقلية النمو في هذا المقال)

‏الممارسة والتدرب لمدة 20 ساعة

الخطوة الآخيرة حسب كاوفمان، هي أن يقوم الشخص بالتدريب و ممارسة المهارة الجديدة التي يريد اكتسابها على الأقل لمدة عشرين ساعة. مثلاً، يتمرَّن نص ساعة لمدة 40 يوم. أو يتمرَّن ساعة لمدة 20 يوما. هذه العشرون ساعة -حسب الأبحاث التي أجراها كاوفمان- كافية لكي يكتسب الشخص المهارة التي يريد.

تجربة عملية: تحدي تعلم الكتابة باليد اليسرى

تعلم الكتابة باليد اليسرى من الأشياء التي طالما كنت أتمنى أن أتعلمها. قبل شهر من اليوم قررت أن أبدأ في رحلة لاكتساب تلك المهارة. لكي أصل لذلك الهدف، قررت أن أتحدى نفسي بأن أقوم كل يوم و لمدة شهر، بكتابة صفحة كاملة من كتاب باستخدام يدي اليسرى.

الغرض من التحدي

من يعش التجربة يستشعرها بصورة أفضل ممن يقرأ عنها أو تروى له. لذلك فإن التحدي بالنسبة لي كان تجربةً سهلة و سريعة تُأكد لي بعض الأفكار. مثل الفكرة في كتاب جوش كاوفمان سابق الذكر، أن الشخص يمكن أن يتعلم أشياء و مهارات جديدة. خصوصاً بعد أن كان الشخص يظن أنه قد كبُر على التعلم، و ثقته في نفسه و في إمكانياته قد اهتزت بعض الشيء. لذلك كان هذا التحدي فرصة لزيادة الثقة بالنفس و تقوية الشخصية.

الأمر الآخر، كون أن ألتزم بمهمة محددة لمدة شهر كامل، هذا الأمر أعتبره مكسباً كبيراً. ذلك لأنه بمثابة تمرين و ترويض للنفس يكسبها قدراً من قوة الإرادة وضبط النفس.

نتيجة التحدي

اليوم -بحمد الله- أكملت التحدي. مرفق أدناه صورة توضح الفرق بين مستوى الكتابة في اليوم الأول و في آخر يوم في التحدي. و لله الحمد و المنة، فإني في غاية السعادة من هذه التجربة التي كانت في غاية المتعة بالنسبة لي.

موضوع -تعلم الكتابة باليد اليسرى- بسيط في حد ذاته. إلا أني كنت كلما أنهيت واجب الكتابة، أشعر برضىً كبير و بسعادةٍ غامرة. على الرغم من الإحساس بالألم في يدي اليسرى ربما بسبب عدم تعودي على استخدامها.

أما بالنسبة للشعور بالسعادة، فربما سرى بعض الدوبامين و السيروتونين في دمي بسبب التفكير في أنني أسعى في إنجاز هدف محدد و مرغوب بالنسبة لي -حتى وإن كان بسيطاً- من شأنه أن يجعلني أفضل.

أشياء ساعدتني في التحدي

من الأشياء التي أعتقد أنها قد ساعدتني في تحدي تعلم الكتابة باليد اليسرى، هي أنني حاولت بقدر الإمكان أن أقلل العقبات و الأشياء التي يمكن أن تعيقني -تماماً كما أوصى كاوفمان.

فعلى سبيل المثال، كنت في أغلب الأيام أعمل في مكان بعيد عن أي شخص. وكنت حريصاً أن أعمل في وقت لا أتعرض فيه لمقاطعات كثيرة ممن حولي. لذلك، كنت غالباً ما أقوم بعمل واجبي (هكذا كنت أسميه) كآخر مهمة في اليوم مباشرة قبل أن أخلد إلى النوم.

الأمر الأخر، كنت أكتب من نفس الكتاب، و على نفس الدفتر، و بنفس القلم في معظم الوقت. وكنت أحرص أن تكون أدواتي هذه دائماً مجتمعة في نفس المكان المحدد كل يوم.

كذلك كنت حريصاً على تسجيل زمن بداية و نهاية كتابة الصفحة. فعلت ذلك الأمر حتى أتمكن من متابعة تقدمي في سرعة الكتابة. و بالفعل، التقدم في السرعة كان ملحوظاً و مشجعاً. لدرجة أنه في الأيام الأخيرة -بعد أن بدأ خطى في التحسَّن و أصبح شكله محترماً- حاولت أن أركز على زيادة سرعة الكتابة. و بالفعل، استطعت أن أقلل زمن كتابة الصفحة من 25 دقيقة إلى 19 دقيقة. لكن لاحظت أن ذلك كان خصماً على جودة الخط، فقررت أن أغض الطرف عن السرعة.

فوائد الكتابة باليد اليسرى

ربما جاء في بالك عزيزي القارئ ما الفائدة حقا من تعلم الكتابة باليد اليسرى. العبدلله كان لدي اعتقاد -هنااااك في أعماق عقلي- أن من يستخدمون أيديهم اليسرى هم أناس مميزون. ومن هنا أبعث لكل من أعرف من الأشخاص العُسر تحايا الود و الاحترام و التقدير أينما حلُّوا.

تميز أصحاب اليد اليسرى

بصراحة، لا أعلم تحديداً متى نشأ عندي هذا الاعتقاد و لا أدري لماذا. لكن أدعوكم للتفكير قليلاً في بعض الأشخاص العُسر الذين تعرفونهم، أليس الكثيرين منهم مميزون فعلاً؟ أخبروني في التعليقات… أما إن كنت أنت عزيزي القارئ (عزيزتي القارئة) من قبيلة الأشخاص العسر، فأنت بالفعل من المميزين، تهانينا.

مشاهير يستخدمون اليد اليسرى

هل الذين يكتبون باليد اليسرى أذكياء

لمعرفة العلاقة بين اليد اليسرى والذكاء يكون من الجيد التذكير بأن دماغ الإنسان مُكوَّن من فصين، فص أيمن وآخر أيسر. و من المعروف كذلك أن هذين الفصين يتحكمان في الجسم البشري بشكل متعاكس بمعنى أن الفص الأيمن يتحكم في الجزء الأيسر من الجسم، و العكس صحيح.

أعتقد أن مما عزز لي اعتقادي أن من يستخدمون يدهم اليسرى هم أشخاص مميزون، معلومة عن وظائف فصي الدماغ كنت قد عرفتها منذ وقت طويل. تلك المعلومة هي أن الفص الأيمن -الذي يكون أكثر نشاطاً عند من يستخدمون يدهم اليسرى- مسؤول عن أشياء مثل الإبداع و الذكاء العاطفي-مهارات التعامل مع الآخرين- وما إلى ذلك. في المقابل، الفص الأيسر مسؤول عن أشياء مثل المنطق و الحساب و 1 + 1 = 2. أشياء ومواضيع جافة ليس فيها جمال يُذكر!.

لكن-للأسف- مؤخراً، علمت أن المعلومة سابقة الذكر – كون كل فص في الدماغ مسؤول عن وظائف بعينها – غير صحيحة -أو على أحسن تقدير، غير دقيقة. اتضح لي أنها نظرية قديمة و أن العلم قد تجاوزها و أُثبت العكس، أي أن فصي الدماغ يعملان -ويتواصلان- معاً في كثير من الوظائف، سواءاً في الإبداع أو في المنطق أو في غيرها. 

هذا الإكتشاف جعلني أتشكك في قناعتي السابقة عن أن الأشخاص العُسر مميزون. لكن سريعاً وجدت معلومة أخرى عززت لي الإعتقاد مرة أخرى.

علمت أن فصي الدماغ لدى الأشخاص العُسر يكونان متماثلين من حيث الحجم. في المقابل -وهنا الأمر الخطير و مربط الفرس- فإن الفصين يكونان غير متماثلين من حيث الحجم في أدمغة من يستخدمون يدهم اليمنى!.

الفص الأيمن لدى الأشخاص الذين يستخدمون يدهم اليمنى يكون ضامراً بعض الشيء -أصغر حجماً- مقارنة بالفص الأيسر. ذلك بسبب أن الفص الأيمن استخدامه أقل عند أولئك الأشخاص.

من الفروقات كذلك، أن الروابط بين فصي الدماغ تكون أغزر -أقوى- عند الشخص الأعسر. كما أوضحت سابقاً، فإن هذه الروابط أساسية و ذات دورٍ هام للغاية لأن الوظائف العقلية المختلفة تعتمد اعتماداً كبيراً على “التواصل” بين فصي الدماغ. لذلك، فهذه التجربة و التحدي كانا بالنسبة لي بمثابة تمرين من تمارين تنشيط فصي الدماغ.

هذان الأمران اللذان يمتاز بهما الأشخاص العُسر، أن فصي الدماغ لديهم العُسر متماثلان و الروابط بين الفصين أقوى، هما ما يفسران تميُّز اولئك الفئة من البشر. و هذا التميُّز هو ما أختم به و أشارككم معلومة عنهم و هي:

هل تعلم أن من بين آخر 12 رئيس أمريكي، ستة منهم يستخدمون أيديهم اليسرى، أي 50% منهم. في حين أن على مستوى البشر، من يستخدمون أيديهم اليسرى نسبتهم في حدود 10% فقط!

رابط #تحدي_الكتابة_باليد_اليسرى في تويتر