أحسن

معارف، عادات و مهارات لحياة أحسن

العقلية مواضيع مميزة

كن ناجحاً في حياتك باكتساب عقلية النمو – ما هي و كيف تكتسبها (العقلية ج3)

كثيراً ما يمر على الواحد منا بعض الأشخاص الناجحين في حياتهم و ربما يكون ذلك سبباً في التفكر و التساؤل حول مواهب البشر و مقدراتهم.
 
قد يتساءل الشخص، هل تلك المواهب و المقدرات فطرية أم مكتسبة. بمعنى هل على سبيل المثال، الشخص الحريف والماهر جداً في لعب الكرة، هل خلقه الله هكذا؟! لديه سمات و امكانيات محددة هي التي تجعله يمتلك تلك المهارات؟ أم أن مهاراته و مقدراته تلك يمكن لغيره من الناس أن يتعلمها و يكتسبها و يصل لما وصل إليه.
 
في هذا المقال نجاوب على هذا التساؤل و نتحدث حول سر و أسباب النجاح في الحياة في مختلف النواحي. فدعونا ندلف لاكتشاف ذلك السر.
 
 
عالمة نفس أمريكية تدعى كارول دويك، بحثت كثيرا عن الشيء الذي يجعل بعض الناس متحمسين أكثر من غيرهم و لديهم مقدرة على انجاز أهدافهم و تقديريهم لأنفسهم Self-esteem عالي.
 
كارول جاءت بنظرية مختلفة عن الفهم السائد الذي يربط العوامل أعلاه -و هي مؤشرات للنجاح- بمعدل ذكاء الشخص. خلاصة النظرية لخصتها كارول في كتابها هي أن أحد العوامل الأساسية التي تفرق بين الناس هي العقلية. و العقلية كما عرفنا في المقالات السابقة هي مجموع المعتقدات و الأفكار الراسخة لدي الشخص التي تحكم و تشكل نظرته للأشياء و توثر في تصرفاته و سلوكياته. 
 
دويك بالتحديد تحدثت عن اعتقاد الشخص عن ذكائه و مقدراته، هل يرى أنهما ثابتتان ولا يمكن زيادتهما أم العكس؟. التحدى في هذا الأمر هو أن ذلك الاعتقاد عادة يكون ضمنيا Implicit ، بمعنى أن الشخص في الغالب لا يفكر فيه بصورة متعمدة، و ربما يكون لا يعرف ماهو اعتقاده في هذا الأمر من الأساس.
 
عقلية النمو مهمة للنجاح في الحياة
عقلية النمو مهمة للنجاح في الحياة
 
 
حسنا، كيف ينظر الناس إلى مقدراتهم و ذكائهم -أو العقلية كما تشير ليها دويك-؟ حسب ما توصلت إليه دويك و زملاؤها، أن العقلية تنقسم إلى نوعين هما عقلية النمو Growth Mindset و عقلية الجمود Fixed Mindset. هذان النوعان من العقلية لديها أثار كبيرة على حياة الأشخاص. من أمثلة الجوانب التي تؤثر عليها هي: أهداف الشخص و الأشياء التي يفعلها، استجابته للتحديات، و تقديره لذاته.
 

معنى عقلية النمو Growtا Mindset    و عقلية الجمود Fixed Mindset

عقلية النمو يقصد بها الإعتقاد أن الشخص يمكن أن يغيِّر (يزيد) من ذكاءه و قدراته. أما عقلية الجمود فعكس ذلك، حيث يعتقد الشخص أن ذكاءه و مقدراته ثابتة و لا يمكن تغييرها (زيادتها).
 
 

 

أثر العقلية على حياة الشخص

الأهداف و دوافع الشخص

العقلية تؤثر على نظرة الشخص للأشياء التي يفعلها. فعلى سبيل المثال، في عقلية الجمود، يكون هدف الشخص من الأشياء التي يفعلها هو أن يُظهر للآخرين أنه شخص يستطيع أن يفعل و يؤدي ما هو مطلوب و متوقع منه، و بالتالي يتجنب و يتفادى أي حكم أو انتقاد سلبي يمكن أن يلاقيه أو يوجه إليه.
 
في المقابل، في عقلية النمو، يكون هدف الشخص هو أن يتعلم و يكتسب معارف و خبرات و مهارات جديدة.
 

الاستجابة للتحديات و العقبات و صعوبات الحياة

من النواحي التي تتأثر أيضا بالعقلية هي استجابة الشخص للتحديات و الصعوبات. عقلية النمو تجعل الشخص يقبل التحديات الجديدة بصدر رحب، و ذلك لإنه يكون على يقين أنها تساعده في أن يتعلم و يستفيد، بالتالي يعتبرها خطوة في اتجاه أن يصبح ماهراً أو متقناً أكثر للأمر الذي هو بصدده.
 
في المقابل، الشخص الذي لديه عقلية الجمود، يخوض هو الآخر التحديات، و لكن ليست أية تحديات. فلكي يخوض تحديٍ ما،  لابد أن يكون مقتنعا و متأكداً قبل البدء فيه، أنه يستطيع أن ينجح في ذلك الأمر.
 
بمعنى آخر، صاحب عقلية الجمود يرى أن التحدي يجب أن يكون في حدود امكانياته و مقدراته الحالية. أما إن لم يكن الأمر كذلك -أي اذا لم يكن لدى الشخص ثقة كافية في امكانياته لخوض و مجابهة التحدي الذي بين يديه- فإنه يمكن أن يسعى لتجنب التحدي.
 
 
 
صاحب عقلية الجمود قد يماطل و يسوف -يتلكأ- في التحدي الذي أمامه، وربما يصل الأمر لمرحلة أن يعمد إلى الغش في حال كان التحدي يمكن أن يظهره أمام الناس كأنه شخص لا يقدر أو لا يعرف و ما إلى ذلك. وربما مر عليك في حياتك أشخاص يغشون في الإمتحانات حتى يحصلوا على درجات عالية.
 
مثل هذه التصرفات مع مرور الوقت، تبعاتها تكون سيئة لانها تمنع الشخص من التعلم و تجعله لا يتقدم.
كتاب مقترح

 

النظرة للإخفاقات و التعامل معها

العقلية تؤثر ايضا على نظرة الشخص لأسباب الإخفاقات التي يمكن أن تحصل له، كذلك مقدرته على التعاطي و التعامل مع تلك الإخفاقات.
 
على سبيل المثال، صاحب عقلية النمو تكون نظرته بناءة و ايجابية للاخفاقات. ففي حال أخفق ذلك الشخص أو فشل في تجربةٍ ما، فإنه يميل إلى أن يعزي ذلك الإخفاق إلى اشياء مثل: ربما هناك أمر ما لم أتعلمه بعد، أو ربما كانت نظرتي للموضوع من زاوية ليست صحيحة، أو لم ابذل الجهد المطلوب.
 
كل الأشياء سابقة الذكر -وفق اعتقاد صاحب عقلية النمو- يمكن له أن يعالجها بالتالي يكون دائما يسعى لأن يطور مقدراته.
 
في المقابل فإن صاحب عقلية الجمود، يعزي الفشل لأشياء مثل أن امكانياته لا تأهله للنجاح في الأمر الذي كان بصدده، أو لأن امكانياته تلك ثابتة و محدودة -حسب اعتقاده-. ذلك يجعله يشعر أن سبب الفشل مرتبط به شخصيا و أن ذلك الأمر لا يستطيع معالجته. ذلك الشعور لديه أثر سيء جداً على تقدير تقدير الشخص لذاته.
 
 
من الأشياء التي تتجلى فيها النظرة المختلفة للاخفاقات هي الإمتحانات. فعلى سبيل المثال، عندما يخرج الطلبة من قاعة الإمتحان، قد تجد بعضهم ليس لديهم أية غضاضة في أن يقوموا بمراجعة الإمتحان الذي فرغوا منه للتو – ربما قبل أن يبتعدوا من باب القاعة-. وفي حال اكتشفوا أنهم قد أخطأوا في الإمتحان مرة أو مرتين -أو حتى أكثر-، قد يتأثرون قليلا بذلك، لكن يكون الأمر عادياً بالنسبة لهم و يتقبلونه بصدر رحب. في المقابل، تجد آخرين ينفرون من اولئك الذين يراجعون الامتحان، و يستنكرون منهم ذلك الفعل بل و في أحيان يسخطون منهم. ذلك لأن الأخطاء تزعجهم و يخشونها للغاية.
 

لماذا البعض لديهم عقلية نمو، و اخرين لديهم عقلية جمود؟

أحييك، هذا سؤال مهم و محوري للغاية. و الإجابة عليه تساعد في فهم الموضوع بصورة أفضل، و بالتالي يمكن لنا أن نحاول تفادي الوقوع في براثن عقلية الجمود.
 
وفق ابحاث كارول دويك و زملائها، فإن نظرة الشخص لذكاءه و مقدراته تتكون مبكراً في حياته.
 
من الأشياء التي تؤثر في ذلك الأمر، هو شكل الإطراء و المدح الذي يقوله الوالدين و المعلمين للأطفال -بافتراض أنهم أصلا يمدحونهم ولا يعنفونهم و يشتمونهم كما هو الحال في كثير من الحالات-.
 
الفكرة السائدة عن الإطراء و المدح هي أن تلك الأمور تعزز ثقة الأطفال -وحتى غير الأطفال!- في أنفسهم. لكن الذي اتضح لاحقا أن اختلافات طفيفة في شكل الإطراء يمكن أن يكون لها أثر كبيراً في تشكيل العقلية.
 
علي سبيل المثال، الطفل عندما تتكرر عليه اطراءات تأكد على أن ذكاءه هو سبب نجاحه، مثل أن تقول أو تقولي لطفل صغير: “يا الله! كيف فعلت ذلك الأمر!؟ لا بد أنك طفل ذكي جدا، ما شاء الله، ما شاء الله!…”. مثل هذا القول يجعل الطفل يتكون لديه اعتقاد أن الإخفاق في الأمور، يعزى لعدم الذكاء، و مع مرور الوقت تتكون لديه عقلية جمود.
 

أختلاف طفيف يمكن أن يكون له أثر كبير

حتى الفروقات البسيطة في شكل الاطراء، يكون لها أثر في تكوين العقلية. مثلا اذا قام طفل برسم لوحة جميلة، استخدام إطراء فيه نوع من التعميم مثل “ما شاء الله انت رسام!” يختلف كثيرا عن اطراء فيه تحديد أكتر مثل:”ما شاء الله، لقد قمت برسم لوحة جميلة”.
 
الإطراء الأول “ربط” النتيجة -التي هي الأداء الجميل في الرسم- بالشخص نفسه. ربط الأداء بالشخص يؤدي إلى مشكلات فيما بعد إذ يجعل الطفل يخاف من الإخفاق ومن ثم -مع مرور الوقت- تتكون لديه عقلية الجمود.
 
أما الاطراء الثاني، ركز أكثر على عملية الرسم و المجهود الذي قام الطفل ببذله فيها. بالتالي الطفل يرسخ لديه أن النجاح مرتبط ببذل الجهد، و اذا أخفق في بعض الأحيان، لن يشكل عليه ذلك الأمر الكثير من الضغط، لانه يكون مقتنعا أن ذلك الإخفاق لا يقدح في شخصه و يكون متصالحا معه. مع مرور الوقت، تتكون لديه عقلية النمو.
 
بعد أن عرفنا أسبابها، هل يمكن أن يتغيَّر الشخص و يكتسب عقلية النمو!؟ دعونا نعرف ذلك في الجزء التالي.

تغيير حياتك يبدأ من تغيير تفكيرك

اتفق معك في أن الأمر فيه قدر من الصعوبة، لكن دعني اطمأنك أن الشخص -ولله الحمد- يستطيع أن يغيير من عقلية الجمود إلى عقلية النمو. لفعل ذلك، يحتاج في البدء أن يحدث تغييرا في طريقة التفكير خاصته أي أن يغيِّر بعض أفكاره و قناعاته. و كما هو معروف، التغيير في القناعات يمكن أن يحدث عندما يطلع الشخص و يتعلم و يكتسب معلومات و أفكار جديدة عن الموضوع الذي هو بصدد تغييره.
 
من أهم الأشياء التي تساعد بقدر كبير، هي أن يقتنع الشخص تماما أن العقل البشري يمكن أن ينمو و يتغير. ذلك النمو يكون بالطرق المتكرر على الموضوع المحدد الذي يرغب في تعلمه، أو بالتدريب المتواصل على المهارة أو السلوك المحدد.
 
من القناعات التي تساعد كذلك، و التي يحتاج الشخص أن يتبناها، هي أن التغيير البسيط و المتدرج، يمكن مع مرور الوقت أن تكون له آثار كبيرة.
 
من الأشياء التي تساعد أيضا، أن يتذكر الشخص أن الكمال لله، و كل البشر لديهم مشاكل و عيوب و نقاط ضعف و أشياء في أنفسهم يحتاجون أن يعملوا على إصلاحها. هذا الأمر يساعده في أن يتصالح مع النقد الذي يمكن أن يوجه له احيانا، ويبدأ في محاولة أن يستخلص منه بعض الفوائد، إذ أن النقد يمكن أن يفصح للشخص عن جوانب لم يكن يراها عن نفسه.
من الأشياء التي تساعد كذلك، هي أن يواجه الشخص التحديات و يغير نظرته لها بحيث يعتبرها كفرص للتعلم. إضافة إلى ذلك، عندما تواجهه مشكلة أو صعوبة ما، يستخدم الكلمة السحرية: (ليس بعد).
 
هذه الكلمة تجعل الشخص يرسل رسالة إلى نفسه مفادها أنه لا محالة سيصل إلى النتيجة التي يرغب فيها. مثلا كأن يقول: “لم أجد حلا الموضع بعد”، أو أن يقول: “لم أكتسب المهارة اللازمة لتجاوز ذلك الأمر بعد”.
 
الخلاصة
نظرة الشخص لمهاراته و مقدراته بل و حتى ذكائه، تعتمد على عقليته، هل هي عقلية جمود أم عقلية نمو. عقلية الجمود تجعله يعتقد أن فرصه محدودة جدا -إن لم تكن معدومة- في أن يزيد تلك المقدرات و أن يتعلم و يكتسب مهارات و مقدارات و سلوكيات جديدة. و العكس صحيح في حال عقلية النمو.
صاحب عقلية النمو يؤمن أنه يمكن أنو ينمي من قدراته و إمكانياته، وذلك يتطلب التركيز و الإهتمام بذلك الأمر و بذل الجهد فيه.
الأمر الجيد هو أن الشخص يمكن أن يتبنى و يبني عقلية النمو.
 
ما هو رأيك؟
يهمني و يسعدني أن أعرف رايك في الموضوع أو أذا كان لديك أي تعليق على الموضوع يمكنك مشاركته في خانة التعليقات أسفل الصفحة. و يسعدني تواصلك مع في تويتر عبر @mgeedismail
 
 
 
اجزاء سابقة من هذا المقال

الجزء الاول: ما هي العقلية و ما هي عناصرها
الجزء الثاني: أثر تغيير الأفكار في النجاح في الحياة

 
 
مراجع
1. نظرية كارول  دويك
 
2. عقلية الجمود و عقلية النمو
 
3. بناء عقلية النمو

5 تعليقات

  1. ياخي جزاك الله خير مقال جميل ومفيد جداً نسأل الله أن يجعلنا ممن تنطلق قدراتهم وتتفجر لننفع بيها أمتنا ووطننا

التعليقات مغلقة.