أحسن

معارف، عادات و مهارات لحياة أحسن

التخطيط

إستراتيجيات الإجتماعية، الإعلام، و التربية و التعليم

و مرة ثالثة.. سيدة مسنة تنفجر بالبكاء.. و يبكى معها زوجها المسن، لماذا يا ترى.. هذا ما سنعرفه معاً في تفاصيل اليوم السابع من دورة التخطيط الإستراتيجي القومي مع البروف أبو صالح. تحدث البروف في مساء هذا اليوم عن ثلاثة من محاور التخطيط الإستراتيجي القومي المهمة و هي التخطيط الإستراتيجي الاجتماعي، التخطيط الإستراتيجي للإعلام، و التخطيط الإستراتيجي للتربية و التعليم.

التخطيط الإستراتيجي الاجتماعي

التخطيط الإستراتيجي الإجتماعي محوره هو الإنسان الذي يجب أن يحفظ أمنه و كرامته أولاً، بعد ذلك يجب ضمان سيادة العدل بين الإفراد الأمر الذي يؤدي – مع غيره من العوامل – إلى تحقيق إنتماء المواطنين لدولتهم. الأمن الإجتماعي و القوة الأجتماعية يعدان من أهم محاور التي تعمل الإستراتيجية لتحقيقها.و من المحاور أيضاً ضمان التواصل مع المجتمع و ذلك بغرض تفاعله مع القضايا التي تهم الدولة.

توازن

من المحاور التي تعمل عليها هذه الإستراتيجية هو العمل على تهيئة الأوضاع الديموغرافية اللازمة للحفاظ على كيان الدولة مثل نسب الذكور إلى الإنسان و التوزيع العمري للسكان

هجرة مدروسة

من الوسائل التي يمكن الاستفادة منها في هذا الجانب هي التحكم في الهجرات من و إلى الدولة المعينة. هذا الأخير يراعى فيه النواحي الثقافية، و التي بدورها تعد من المحاور المهمة في التخطيط الإستراتيجي الاجتماعي إذ لابد من تشكيلها بصورة منهجية –وليس تركها لتتشكل بصورة تلقائية كما كان في السابق- التشكيل يقتضي المحافظة على ما هو جيد و تعزيزه و تقويته مثل التكافل الاجتماعي و التعايش بين الديانات و الحفاظ على العرض و الشرف. و من الناحية الأخرى يقتضي إيجاد و تعزيز قيم و ثقافات مفقودة أو ضعيفة مثل المحاسبة، الشفافية، العمل الجماعي، قبول التغيير، التعامل مع الجمهور، التخطيط، الحماس للعمل و عدم التواكل.

مراعاة الأجيال القادمة

التحديات المستقبلية و أمن الإنسان تعد من أهم النقاط التي يجب أن تشملها الإستراتيجية الإجتماعية، مثال لذلك القضايا العالمية مثل قضايا المناخ و الإحتباس الحراري.

من النظر للتجارب السابقة لدول العالم يتضح أن القوة الثقافية -و ليست القوة العسكرية- كانت هي الأساس لسيادة الدول. و يدلل على ذلك إنهيار الإتحاد السوفيتي بالرغم من إمتلاكه لترسانية حربية تضاهي ما لدى أمريكا.

التخطيط الإستراتيجي للإعلام

هناك مقولة تنسب لأحد الخبراء يقول فيها ما معناه: “لم تكن أمريكا لتصل لما وصلت إليه لولا قوة الإسناد الإعلامي و المعلوماتي” و هذا ما دفع الخبراء و العلماء –قبل حوالي تسع سنوات- لإضافة الإعلام و المعلومات إلى عناصر القوة الشاملة. فالناظر للإعلام الأمريكي و للدراما الأمريكي يجدها تحوي ما تحوي من مواد توجه نحو المصالح و الأهداف القومية الأمريكية.

نظرية الإتصال – مرسل – وسيلة – هدف – جمهور –  المستخدمة في الإعلام التقليدي وحدها لا تكفي بل يجب تدعيمها بعناصر الإعلام الإستراتيجي الخمسة و هي:

  • اختيار المدخل المناسب
  • الوصول للجمهور
  • إستخدام اللغة المناسبة: أحد مميزات العمل الإستراتيجي القومي هو البعد الدولي، إذا لابد من الخروج من نطاق المحلية نحو العالمية و ذلك يقتضي مخاطبة الجماهير بلغاتهم التي يفهمونها
  • الجودة و التميز: الجودة و أعلى منها التميز صارا أساس التنافس في كل شي حتى في الإعلام، فلايمكن أن يصل الإعلام لمن هم خارج الدولة ما لم يكن ذا جودة عالية. و حتي داخلياً الشعب أصبح على تواصل دائم مع العالم، لذا مالم يكن الإعلام بالجودة المطلوبة فسوف تفقد الدولة التواصل مع مجتمعها و هذا يعد من المهددات للدولة.
  • البناء و التراكم: الإعلام يمكن أن يغرس في منطقة اللاوعي لدي الأفراد ما يريد و يوجههم كما يشاء و ذلك باستخدام الكلمات و الصورة و الأصوات بأساليب معينة تبني تدريجيا معانٍ معينة.

دور الاعلام في نشر الإسلام في أوروبا

لتوضيح النقاط أعلاه، استشهد البروف بما قام به أحد الإعلاميين الفرنسيين المسلمين إذ قام بعمل بحوث اكتشف من خلالها ثلاثة عشر مدخلاً يمكن من خلالها التأثير في الأوروبيين للدخول للإسلام. أول هذه المداخل كان هو المدخل الأسري –لما يعانوه من تفكك و هشاشة في النظام الأسري لديهم- فقام بعمل تجربة جمع فيها عدد من الأوربيين و استعان فيها بعدد من الدعاة المسلمين الأوربيين ليحدثوهم بلغتهم على في عدد من الجلسات فقط عن موضوع الأسرة في الإسلام. بعد التجربة عدد من المتطوعين بدأ بالشك حول إلى أي مدى يمكن أن يكون الإسلام فعلاً هو الدين الخاتم و إن لم يسلموا سيكونون خاسرين. أحد المتطوعين أعتنق الإسلام فعلاً فتغيرت حياته. قبل إسلامه كان لا يتواصل مع والديه المقيمين بعيداً من المنطقة التي يعيش فيها مع أسرته الصغيرة إلا نادراً، لكن بعد إسلامه أصبح يصحب أسرته الصغيرة كل نهاية اسبوع ليقضوها مع والديه. استمرت هذه الزيارات حوالي أربعة أشهر و في أحد الأيام تحدثت الأم مع ابنها قائلة: “انا و والدك قبل عدة أيام وكنا نشاهد تخريجاً لأحد المدارس الثانوية في التلفاز، فرأينا شاباً يشبهك كثيراً فعادت بنا الذاكرة خمسة و ثلاثين عاماً للوراء، تحديداً ليوم علمنا بأني حامل بك و كم سعدنا بذلك، ثم فرحنا بولادتك رغماً عن الآلام، ثم تذكرنا فترة طفولتك الجميلة بكل ما فيها براءة و من بعد دراستك ، فلما كان أن تخرجت من الثانوية لم تكن إلا أياماً فأكملت عامك الثامن عشر و تركتنا و ذهبت. ثم كان هذا ما حدث أيضاً مع أخيك من بعدك، و من بعده أختك، و أخيراً أخوك الأصغر، و من حينها و طيلة الفترة السابقة لم تعد للحياة أي قيمة و معنى بالنسبة لنا. لكن لما صرت تزورنا، عادت لنا حياتنا، فمالذي دفعك لفعل ذلك؟”. بكل بساطة أخبرهما الإبن أن الذي دفعه لذلك هو الإسلام، فاستنكرت الأم ما قال بادئ الأمر –وفق ما وصل إليها عن معني اللإسلام- لكنه عاد و أكد لها أنه الإسلام و بدأ يشرح لهما –بالرغم من قلة ما يعرف عن الإسلام – مستعيناً بما تلقاه من محاضرات عن موضوع الأسرة في الإسلام، و أخبرهما أن من أكبر الجرائم في الإسلام هو الشرك بالله “وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ” و أن الذي يلي ذلك مباشرة هو عدم الإحسان للوالدين “ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا” هنا بدأت أمه تبكي، فواصل الآيات ، “وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ” عندها انفجر أبواه بالبكاء… فلما هدأت الأم قالت له من قال ذلك لابد أنه رب السماء لأن هذا الكلام لامس ما في نفوسنا. فأكمل لها الإبن بقية الآيات “ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا”…

شمول الاستراتيجية

للتخطيط للإعلام الإستراتيجي يجب أولاً معرفة المصالح و الغايات الوطنية و من ثم دراسة جميع الإستراتيجيات الأخري مثل السياسية و الإقتصادية و كذلك الإستراتيجيات الفرعية. و من ثم معرفة التغيير الإستراتيجي المطلوب تحقيقه، كل ذلك مستصحباً البيئة الداخلية و الخارجية و كذلك القوانين الدولية. دون إغفال السلوكيات و الجوانب التاريخية.

اعلام مستقل

الإعلام الإستراتيجي لابد أن يملك كامل الإرادة و أن يكون مستقل تماماً لا ينحاز ولا يهادن في المصالح الوطنية. و لتحقيق ذلك من اللازم امتلاك كل ما يمكن أن يعيق أو يكبل الإعلام مثلاً امتلاك كل ما يلزم  للإرسال و البث. على الإعلام أيضاً أن لا يمس المصالح الوطنية بسوء سواء من الحكومة أو المعارضة. و هنا استشهد البروف بالباحث الذي رصد الصحافة الورقية في أربعة من كبريات الدول لمدة ثلاثة فترات حكم، لم يجد الباحث ولا مرة أن المعرضات كتبت ما يضر بالمصالح الوطنية لبلادهم.

التخطيط الإستراتيجي التربية و التعليم

هذه الإستراتيجية يتم العمل لإعدادها في المراحل الأخيرة و هذا لإنها  تساند جميع الإستراتيجيات الأخرى، و الفشل فيها يعني فشل الدولة. و لهذا تسمى بالإستراتيجية الأعظم فهي تمثل حجر الزاوية للتخطيط الإستراتيجي  القومي، فبالرجوع لأهمية الأخير نجد أنه يضع الدولة في موقع المبادرة وهذه المبادرة مثلاً تتطلب خلق كوادر تصلح لما يوافق سوق العمل الذي ستخلقه الدولة وفقاً لأهدافها.

من أهمية التخطيط الإستراتيجي القومي هي إدارة التنافس و الصراع الدوليين، الأمر الذي يتطلب سلوكياتٍ و قيماً لابد أن يتحلى بها أفراد المجتمع وذلك بالإضافة لإكتساب المهارات و المعارف اللازمة لمواجهة التحديات.

من أهم ما يجب العمل عليه في هذه الإستراتجية هو تحويل القيم و المرتكزات الإستراتيجية إلى ممارسة و واقع، مثل قيمة العدل. ومن ثم توفير الكادر الملائم لسوق العمل وفقاً للفلسفة الإقتصادية المتبناة و الإهداف الإستراتيجية المتختلفة.

هذا و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم