جحر الضب (1)

في حوار بيني و بين أحد الأصدقاء، أوضح لي كيف أنه لا يحب الدخول في حوار أو جدال مع أشخاص يتصفون بصفة محددة.. تلك الصفة هي أنهم يرون أنهم دائماً على حق أو على وجه الدقة، هم الحق المطلق.. فصديقي هذا يرى أنه لا فائدة من الجدال أو الحوار مع أمثال اؤلئك الأشخاص لأن مثل ذلك الحوار لا يجدي نفعاً.




الذي قادنا إلى ذلك الحوار..هو أن صديقي هذا ذكر لي أنه يكون في العديد من الأوقات مجبراً على أن يستمع إلى نقاش و جدال بيزنطي يدور بين شخصين أو أكثر من مجموعة الأشخاص الذين حوله.. و كيف أنه و العديدين غيره في غنىً عن سماع تلك النقاشات الغير مفيدة بأي حال من الأحوال _ إذا استثنينا فائدتها في زرع البغضاء في النفوس!!_ و كيف أن مثل تلك النقاشات تشكل لهم مصدر إزعاج و تشغلهم عن أداء أنشطة أُخرى مثل التركيز في موضوع معين كالقراءة… و كيف أنه يكون مضطراً لاستعمال سماعة في أذنيه تقيه تلك النقاشات و في بعض الأحيان قد يضطر لتشغيل شيئ ٍما في السماعات عملاً بقاعدة أخف الضررين!!


خلاصة الأمر .. أن صديقي هذا و بناءاً على ما تقدم و غيره.. أصبح لا يشارك في أي نقاش من ذلك النوع.. لكنه في يوم من الأيام وجد نفسه وسط مجموعة من الشباب في نقاش محتدم.. حول موضوع حسااااس…
الموضوع كان أنهم راؤوا في أثناء سيرهم في إحدى الطرقات، فتاة تردي ثياباً اعتبرها بعضهم ثياباً متبرجة. و بدأ النقاش بعد ذلك. يقول أحدهم: “لا يجب أن ترتدي مثل تلك الثياب”.. فيرد آخر: “لا … بل ثيابها عادية” .. و ما إلى ذلك من الآراء…-وربما قد يكون من بين الشباب من أعجبه منظر تلك الفتاة و تمنى لو أنهم لم يكونوا متحركين في السيارة حتي يطيل و يمعن النظر فيها-.. بين كل تلك الآراء .. كان هناك صحاب رأي منفعل و غاضب جداً..كان يرى أن عليه أن يترجل و يضرب تلك الفتاة! و بينما تلك الأراء تتداول و النقاشات محتدم؛ طُلب من صديقي أن يبدي رأيه في الموضوع. فأدلى بدلوه و كان يرى أن تلك الفتاة قد تكون غير مخطئة. فربما تكون قد تربت في بيئة -رخارج البلاد مثلا- كان من الطبيعي فيها إرتداء مثل تلك الثياب، و ساق عدد من المبررات التي تبرئ الفتاة. فما كان إلا أن إزدادت النقاشات حدةً و إنفعالاً.


تحاورت مع صديقي بعد تلكم القصة عن سبب ذلك الخلاف الذي دار بين الفرقتين. و كيف أنه كان يجب عليهم يتفقوا على نقطة وحيدة تنهي كل ذلك النقاش و تقارب الآراء. و هي أن الطرفين كان يجب أن يتفقا على أن الفعل الذي قامت به تلك الفتاة هو فعل خاطئ، و أن الفتاة مخطئة، و لكنها قد تكون لا تعلم خطأها ذلك، و هذا مربط الفرس و هو خلاصة المقال…


العبد لله كنت _ومازلت_ أنوي الكتابة سلسة مقالات اسميتها جحر الضب. مضمون تلك السلسة يحكي كيف أن المسلمين يتشبهون باليهود و النصاري.. حتى لو دخلوا -اليهود و النصارى- جحر ضبٍ خربٍ لدخله المسلمون!! او كما قال معلم البشرية رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم.
فمن حواري مع ذلك الصديق.. تعلمت أنه يجب دائماً أن نستصحب في حكمنا على من نراهم يفعلون الأخطاء و المنكرات -حسب معتقدنا- و نراهم يدخلون جحر الضب.. أن نستصحب معنا العذر.. أي أن نعذرهم فلربما لا يعلمون أنهم لا يجب عليهم و لا ينبغي لهم أن يفعلوا مثل تلك الأشياء…


ربما أخواتنا و أمهاتنا و خالاتنا و عماتنا .. لا يعلمون أنه يجب عليهن أن لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها…
و حتي ما ظهر منها.. لا يصح أن يملأنه زينةً و مكياجاً و أحمراراً و إصفراراً و إخضراراً و و و و غيرها من الألوان ..
و أنه يجب أن لا يظهر من شعورهن شيئ، حتي اليسير منه.
و ربما لا يعلمون أن الثياب التي يرتدينها يجب أن لا تكون ضييييقة ، فتصف ما تحتها، و لا تكون شفافة أو خفيفة فتشف وتظهر ما لا يجب ان يظهر.
و ربما لا يعلمون ما ورد عنه صلى الله عليه و سلم ما معناه أن المرأة إذا شم الرجال منها رائحة عطر فكأنما زنت و العياذ بالله.


و أما الرجال، فربما شغلتهم الحياة و نسوا أنهم رعاة في بيوتهم، و أنهم مسؤولون عن رعيتهم..
و ربما لا يعلمون أنهم حين يشاهدون التلفاز بما فيه فيه من الفساد و التردي الاخلاقي؛ أنهم بذلك بصورة غير مباشرة -او مباشرة- أنهم يقرون ذلك الوضع المتردي. إذ لا يخلو برنامج من برامج قنواتنا السودانية التي كانت تشتهر بأنها من أكثر القنوات حشمةً و أدباً ..لا يخلوا برنامج من أحدى الصفات التي ذكرت في الأعلى. ليست البرامج فحسب، بل حتى نشرات الأخبار حتى الرياضية منها!!
و أما الإعلانات.. فحدث ولا حرج… الرز.. العدس… التونة.. التلفونات… الدقيق و المكرونات و الكريمات .. المشروبات (الغازية و الخالية من الكحول أو نسبة الكحول صفر في المية ربما تزيد قريبا).. الأثاث و البوهيات…
المسلسلات… دي قصتها براها… “مهدد و توت”…”إمرأة من زمن حفروا البحر”… “تيس و ليلى”.. و و و .
و ربما _ وهو الاعظم من هذا و ذاك_… أن ولاة امورنا لا يعلمون أن كل تلك الأشياء لا يجب ان تكون كما هي عليه الآن.


ربنا يهدينا لما فيه الخير أجمعين.
هذا و صلي اللهم وسلم على المبعوث رحمةً للعالمين.. سيدنا محمد وعلى إله وصحبه أجمعين

فكرتين عن“جحر الضب (1)”

التعليقات مغلقة.